مقدمة
السرقة الأدبية هي قضية أخلاقية كبيرة في النشر الأكاديمي، تهدد نزاهة التواصل العلمي. يلعب المحررون دورًا حيويًا في تحديد ومعالجة السرقة الأدبية في مخطوطات البحث للحفاظ على الثقة في الأبحاث المنشورة.
يحدث الانتحال عندما يقدم المؤلف عمل أو أفكار أو نص شخص آخر على أنها ملكه دون الإشارة المناسبة. ويشمل ذلك نسخ النص حرفيًا، إعادة الصياغة دون ذكر المصدر، الانتحال الذاتي، وتزوير البيانات. مع تزايد توفر الموارد الرقمية، ارتفعت حالات الانتحال، مما يجعل من الضروري لمحرري المجلات تنفيذ إجراءات فحص وتصحيح صارمة.
تستكشف هذه المقالة أنواع الانتحال المختلفة، وطرق كشف المحتوى المنسوخ، وأفضل الممارسات للتعامل مع حالات الانتحال مع الحفاظ على النزاهة الأكاديمية.
فهم أنواع الانتحال
قبل اكتشاف ومعالجة الانتحال، يجب على المحررين فهم أشكاله المختلفة. الانتحال لا يقتصر على نسخ النص حرفيًا فقط؛ بل يشمل أيضًا ممارسات غير أخلاقية متنوعة تُضعف مصداقية البحث.
1. الانتحال المباشر (النسخ الحرفي)
يحدث هذا عندما يقوم المؤلف بنقل النص كلمة بكلمة من مصدر آخر دون ذكر المصدر. حتى إذا تم إجراء تعديلات طفيفة، إذا بقيت البنية والمعنى دون تغيير، فإن ذلك يشكل انتحالاً.
2. الانتحال الذاتي (النشر المكرر)
يحدث الانتحال الذاتي عندما يقوم المؤلفون بإعادة استخدام أجزاء كبيرة من أعمالهم المنشورة سابقًا دون الاستشهاد أو الاعتراف المناسب. هذا يكون مشكلة خاصة عندما:
- يقوم المؤلفون بتقديم نفس المخطوطة إلى عدة مجلات.
- يقومون بإعادة نشر أقسام كبيرة من أبحاثهم السابقة دون نسب.
- هم يعيدون استخدام الأشكال والجداول أو البيانات دون إذن واضح.
3. السرقة الأدبية بإعادة الصياغة
في هذا الشكل، يقوم المؤلف بإعادة كتابة المحتوى الموجود بكلمات مختلفة لكنه يفشل في ذكر المصدر الأصلي. حتى إذا تم إجراء تغييرات طفيفة في الصياغة، تظل الفكرة نفسها، وعدم نسب المصدر يشكل انتحالاً.
4. الانتحال الفسيفسائي (الكتابة التصحيحية)
ينطوي الانتحال الفسيفسائي على دمج عبارات أو جمل أو أفكار من مصادر متعددة دون الإشارة المناسبة. يحدث هذا غالبًا عندما ينسخ المؤلفون عبارات من أوراق بحثية مختلفة ويخلطونها لإنشاء نص يبدو جديدًا.
5. التلاعب بالاقتباسات
قد يقوم بعض المؤلفين بتغيير، أو نسب خاطئ، أو حذف الاستشهادات عمدًا لتشويه أصالة العمل. قد يشمل ذلك:
- اختلاق مراجع غير موجودة.
- الاستشهاد بـمصادر غير ذات صلة لتجنب اكتشاف الانتحال.
- حذف الاقتباسات لإعطاء انطباع بـ الأصالة.
6. الانتحال في الأشكال والجداول والبيانات
السرقة الأدبية ليست مقتصرة على النص فقط؛ فقد يقوم المؤلفون بإعادة استخدام الصور، الرسوم البيانية، الجداول، أو مجموعات البيانات من باحثين آخرين دون إسناد. في بعض الحالات، قد يقومون بتلاعب في عرض البيانات لتبدو فريدة.
كيف يمكن للمحررين اكتشاف الانتحال في مخطوطات البحث
مع آلاف الأوراق البحثية المقدمة إلى المجلات كل عام، فإن الكشف اليدوي عن الانتحال غير ممكن. يجب على المحررين الاستفادة من التكنولوجيا، خبرة الأقران، وسياسات المراجعة الأخلاقية لتحديد الممارسات غير الأخلاقية.
1. استخدام برنامج كشف الانتحال
يعتمد المحررون على أدوات كشف الانتحال لـ أتمتة عملية الفحص وضمان الأصالة. بعض البرامج الأكثر استخدامًا تشمل:
- Turnitin – يتحقق من الانتحال عبر المجلات الأكاديمية والكتب والمصادر الإلكترونية.
- iThenticate – يستخدمه الناشرون لفحص مخطوطات الأبحاث قبل مراجعتها من قبل النظراء.
- فحص التشابه عبر كروسريف – يقارن المخطوطات مع قاعدة بيانات أكاديمية واسعة.
- مدقق الانتحال من Grammarly – يحدد المحتوى المكرر ويقترح الاستشهادات.
تُنتج هذه الأدوات تقارير التشابه، مع إبراز الأقسام التي تتطابق مع محتوى منشور سابقًا. ومع ذلك، يجب على المحررين مراجعة النتائج بعناية، حيث إن بعض المحتوى المُعلَّم (مثل العبارات الشائعة، المراجع) قد لا يكون انتحالًا.
2. التحقق من التناقضات في أسلوب الكتابة
يمكن للمحررين تحديد الانتحال المحتمل من خلال ملاحظة التناقضات في أسلوب الكتابة، والنبرة، والتعقيد. قد تشير التغيرات المفاجئة في تركيب الجمل، والمفردات، أو التنسيق إلى محتوى منسوخ.
3. مراجعة المراجع للتحقق من الدقة
يجب على المحررين التحقق مما إذا كان:
- جميع المراجع المذكورة في المخطوطة موجودة وذات صلة.
- المصادر المذكورة تتماشى مع المطالبات المقدمة في المخطوطة.
- يتم تنسيق المراجع بشكل متسق، حيث أن الاقتباسات الملفقة غالبًا ما تتضمن تفاصيل غير صحيحة.
4. التحقق المتبادل من الأعمال المقدمة سابقًا
يمكن للمحررين مقارنة المخطوطة بـ:
- المنشورات السابقة للمؤلف للكشف عن الانتحال الذاتي.
- المخطوطات المقدمة سابقًا ولكن تم رفضها لتحديد محاولات إعادة التقديم.
5. إشراك المراجعين الأقران في الكشف
غالبًا ما يمكن للمراجعين الخبراء اكتشاف الانتحال من خلال التعرف على المفاهيم المنسوخة، العبارات المألوفة، أو المحتوى المنشور سابقًا في نفس المجال. إشراك المراجعين الأقران في اكتشاف الانتحال يضيف طبقة إضافية من التدقيق.
معالجة الانتحال: أفضل الممارسات للمحررين
بمجرد تحديد الانتحال، يجب على المحررين اتباع إرشادات أخلاقية واضحة لمعالجة المشكلة بشكل مهني وعادل.
1. تقييم شدة الانتحال
ليست كل حالات الانتحال متساوية؛ يجب على المحررين تصنيف الحالات بناءً على شدتها:
- انتحال بسيط – بعض العبارات أو الجمل المنسوخة بدون ذكر المصدر.
- انتحال معتدل – أجزاء أكبر معاد صياغتها بدون نسب صحيحة.
- انتحال شديد – نسخ فقرات أو أقسام كاملة حرفيًا، أو انتحال من مصادر متعددة.
2. الاتصال بالمؤلفين للتوضيح
إذا تم اكتشاف الانتحال، يجب على المحررين:
- أخطِر المؤلف المعني وقدم تقرير الانتحال.
- اطلب تفسيرًا وتوضيحًا للمحتوى المعلّم.
- السماح للمؤلف بمراجعة والاستشهاد بالمصادر بشكل صحيح في الحالات الطفيفة.
بالنسبة للحالات الشديدة، حيث يُشتبه في سوء السلوك المتعمد، قد يقوم المحررون بتصعيد القضية إلى لجان المراجعة المؤسسية أو اللجان الأخلاقية.
3. رفض المخطوطة أو طلب التصحيحات
- إذا كان الانتحال طفيفًا، يجب على المؤلفين مراجعة، ذكر المصادر، وإعادة التقديم.
- إذا كان الانتحال معتدلاً أو شديداً، يجب على المجلة رفض المخطوطة.
- في حالات الانتحال الذاتي، يجب على المؤلفين إعادة كتابة الأقسام المكررة والاستشهاد بأعمالهم السابقة.
4. الإبلاغ عن حالات الانتحال الشديدة
في حالات السرقة الأدبية المتعمدة وعلى مستوى عالٍ، يجب على المحررين:
- أبلغ عن السلوك السيئ إلى مؤسسة المؤلف أو وكالة التمويل.
- إصدار إشعار رسمي بالسرقة الأدبية على موقع المجلة الإلكتروني (إذا لزم الأمر).
- إذا كانت الورقة المنسوخة نشرت بالفعل، أصدر بيان سحب.
5. توعية المؤلفين بممارسات البحث الأخلاقية
لمنع الانتحال، يجب على المجلات:
- قدّم إرشادات واضحة للملكية الفكرية والاستشهاد.
- تثقيف الباحثين حول كتابة المخطوطات الأخلاقية.
- شجّع على استخدام أدوات كشف الانتحال قبل التقديم.
دور المؤسسات والناشرين في منع الانتحال
1. وضع سياسات الانتحال
يجب على المؤسسات فرض سياسات صارمة بشأن الانتحال وسوء السلوك البحثي، بما في ذلك:
- فرض فحوصات الانتحال قبل التقديم.
- تنفيذ عقوبات على ممارسات النشر غير الأخلاقية.
2. تدريب الباحثين على الكتابة الأخلاقية
يجب على الجامعات ومنظمات البحث توفير:
- ورش عمل حول ممارسات الاقتباس.
- ندوات النشر الأخلاقي.
- التدريب على تقنيات إعادة الصياغة الصحيحة.
3. تشجيع العلم المفتوح والشفافية
تعزيز مشاركة البيانات، ومستودعات الوصول المفتوح، وممارسات البحث الشفافة يساعد في تقليل تلفيق البيانات المتعمد وسوء التمثيل.
خاتمة
السرقة الأدبية هي مشكلة أخلاقية خطيرة تقوض مصداقية البحث الأكاديمي. يجب على المحررين اتخاذ نهج استباقي لتحديد ومعالجة السرقة الأدبية باستخدام أدوات الكشف، ورؤى المراجعين الأقران، والإرشادات الأخلاقية الصارمة.
من خلال تعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة والبحث الأخلاقي، يمكن للمحررين والمؤسسات والباحثين العمل معًا للحفاظ على نزاهة النشر العلمي. إن اعتماد أفضل الممارسات في كشف ومنع الانتحال يضمن أن تظل الأبحاث المنشورة موثوقة وأصلية وذات قيمة علمية.