مقدمة
البحث العلمي مبني على مبادئ النزاهة والدقة والثقة. عندما يتم نشر ورقة بحثية في مجلة محكمة، يُفترض أنها قد خضعت لتدقيق صارم وتقدم نتائج صحيحة وموثوقة. ومع ذلك، ليست كل الأوراق المنشورة تبقى متداولة إلى أجل غير مسمى—فبعضها يُسحب لاحقًا بسبب أخطاء أو انتهاكات أخلاقية أو سوء سلوك.
الـسحب هو الانسحاب الرسمي لورقة بحثية من السجل العلمي، وعادةً ما يبدأه محررو المجلات، المؤلفون، أو المؤسسات عند اكتشاف مشكلات كبيرة بعد النشر. بينما تهدف السحوبات إلى تصحيح الأدبيات العلمية والحفاظ على نزاهة البحث، فإنها أيضًا تحمل عواقب خطيرة على المؤلفين، المجلات، والمجتمع العلمي الأوسع.
تستكشف هذه المقالة لماذا يتم سحب الأوراق البحثية، وتأثير السحوبات على الباحثين والمؤسسات، وكيف يمكن تجنب مثل هذه الحالات.
ما هو السحب؟
الـسحب هو عملية يتم من خلالها سحب ورقة بحثية منشورة رسميًا من مجلة بسبب مخاوف جدية تتعلق بصحتها، أو انتهاكات أخلاقية، أو أخطاء. عادةً ما يصدر إشعار السحب من قبل مجلس تحرير المجلة أو المؤلفين، ويتم وسم المقالة على أنها "مسحوبة" في قواعد البيانات مثل PubMed وCrossRef وRetraction Watch.
على عكس التصحيحات الطفيفة أو التصحيحات—التي تعالج أخطاء صغيرة مع الحفاظ على الدراسة سليمة—إلغاء النشر يبطل الورقة بأكملها، مشيرًا إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على نتائجها.
الأسباب الشائعة للسحب
يمكن سحب الأوراق البحثية لأسباب متنوعة، تتراوح بين أخطاء صادقة و سلوك غير نزيه متعمد. فيما يلي بعض الأسباب الأكثر شيوعًا:
1. سوء السلوك العلمي والانتهاكات الأخلاقية
السلوك العلمي غير السليم يشكل جزءًا كبيرًا من عمليات السحب. وتشمل هذه:
- السرقة الأدبية – نسخ عمل شخص آخر دون الإشارة المناسبة.
- الانتحال الذاتي – إعادة استخدام العمل المنشور سابقًا للشخص نفسه دون الإفصاح.
- تلفيق البيانات – إنشاء بيانات كاذبة عن قصد.
- تزوير البيانات – التلاعب أو تحريف نتائج البحث.
- تضارب المصالح غير المعلن – إخفاء العلاقات المالية أو الشخصية التي قد تؤثر على البحث.
غالبًا ما تستخدم المجلات برامج كشف الانتحال (مثل Turnitin، iThenticate) وأدوات التحليل الإحصائي لفحص مثل هذه الانتهاكات. إذا تم تحديد سوء السلوك، يتم سحب المقال، وقد يواجه المؤلف تحقيقات مؤسسية وتبعات مهنية.
2. الأخطاء الصادقة والأخطاء غير المقصودة
ليست كل عمليات السحب ناتجة عن سوء سلوك. أحيانًا، يقوم الباحثون بتحديد الأخطاء بعد النشر التي تؤثر بشكل كبير على صحة نتائجهم. تشمل الأمثلة:
- الأخطاء في التحليل الإحصائي
- إجراءات تجريبية غير صحيحة
- تفسيرات بيانات معيبة
- أخطاء في جمع العينات أو المنهجية
في مثل هذه الحالات، عادةً ما يسحب الباحثون ورقتهم البحثية طوعًا للحفاظ على الدقة العلمية.
3. التلاعب بالصور والتكرار
أدت التطورات في برمجيات تحليل الصور إلى اكتشاف الصور المُعدلة في الأوراق العلمية. يقوم بعض المؤلفين بتعزيز أو تكرار أو تحريف الصور لجعل نتائجهم تبدو أكثر إقناعًا. هذا شائع في مجالات مثل العلوم الطبية الحيوية وعلوم الحياة.
4. المنشورات المكررة أو الزائدة
يقوم المؤلفون أحيانًا بتقديم نفس الدراسة إلى عدة مجلات لزيادة عدد منشوراتهم. إذا تم اكتشاف نشر مكرر، فقد يتم سحب نسخة واحدة (أو كلا النسختين). وبالمثل، يُنصح بعدم تقسيم الدراسة إلى أجزاء صغيرة متعددة—حيث يقوم الباحثون بتقسيم دراسة واحدة إلى عدة أوراق صغيرة—لأنه يضخم الأدبيات العلمية بشكل مصطنع.
5. التلاعب في مراجعة الأقران
قامت بعض المجلات بسحب أوراق بعد اكتشاف تزوير مراجعة الأقران، حيث:
- يوصي المؤلفون بـ مراجعين مزيفين (باستخدام عناوين بريد إلكتروني مزيفة) لضمان الحصول على تعليقات إيجابية.
- المراجعون يفشلون في الكشف عن تضارب المصالح مع المؤلفين.
6. المخاوف الأخلاقية المتعلقة بالأبحاث البشرية أو الحيوانية
إذا فشلت الدراسة في الحصول على الموافقات الأخلاقية المناسبة أو الموافقة المستنيرة من المشاركين، فقد يتم سحبها. تتبع المجلات إرشادات مجلس المراجعة المؤسسية (IRB) لضمان السلوك البحثي الأخلاقي.
تأثير السحوبات على البحث والأكاديمية
1. الضرر بسمعة الباحث
بالنسبة للباحثين الأفراد، قد يكون سحب ورقة بحثية نكسًا خطيرًا في المسيرة المهنية. يمكن أن يؤدي السحب إلى:
- يؤدي إلى فقدان المصداقية في المجتمع الأكاديمي.
- تؤثر على فرص التمويل المستقبلية والمنح.
- ينتج عنه إنهاء التوظيف في الحالات الشديدة.
بعض الباحثين يتعافون من خلال إظهار الشفافية والتعلم من الأخطاء، لكن السلوك السيء المتعمد غالبًا ما يؤدي إلى القائمة السوداء من المجلات المرموقة.
2. العواقب المؤسسية والتمويلية
إذا تم تمويل العمل الذي سحبه المؤلف من قبل وكالة حكومية أو مؤسسة، فقد:
- فقدان الأهلية للتمويل في المستقبل.
- مواجهة التحقيقات أو العقوبات.
- الإضرار بسمعة المؤسسة التابعة لهم.
تحافظ بعض المؤسسات على قواعد بيانات للأبحاث المسحوبة لمنع تمويل الباحثين المحتالين.
3. تضليل الباحثين الآخرين
التراجعات ضرورية لأن البحوث المعيبة يمكن أن تضلل الدراسات المستقبلية. إذا استشهد باحثون آخرون بأعمال تم سحبها وبنوا عليها، فقد يؤدي ذلك إلى:
- يؤدي إلى هدر الموارد.
- تأخير التقدم العلمي.
- النتيجة في قبول استنتاجات غير صحيحة كحقائق.
وبالتالي، تمنع إشعارات السحب السريعة والشفافة انتشار المعلومات غير الموثوقة.
٤. مصداقية المجلة وسياسات التحرير
تعاني المجلات أيضًا من ضرر في السمعة إذا نشرت أوراقًا بحثية تتطلب لاحقًا سحبها. قد يؤدي ذلك إلى:
- تقويض الثقة في عملية مراجعتهم من قبل الأقران.
- تؤثر على عامل التأثير والترتيب الخاص بهم.
- يؤدي إلى إرشادات أكثر صرامة للتقديم والمراجعة.
لقد عززت العديد من المجلات إجراءات الفحص والتحقق من أجل تقليل خطر نشر الأبحاث المعيبة.
كيفية منع السحوبات
1. ضمان مراجعة دقيقة من الأقران
يجب على المؤلفين تقديم أعمالهم إلى مجلات مرموقة ذات معايير مراجعة دقيقة من قبل النظراء. يمكن للمجلات أيضًا:
- استخدم فحص المخطوطات بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
- تعيين مراجعين مستقلين ذوي خبرة في المجال.
2. استخدم فحوصات الانتحال والنزاهة
قبل التقديم، يجب على الباحثين تشغيل مخطوطاتهم من خلال:
- برنامج كشف الانتحال (مثل iThenticate، Turnitin).
- أدوات التحليل الإحصائي والتلاعب بالصور.
3. الحفاظ على المعايير الأخلاقية في البحث
لتجنب المخاوف الأخلاقية، يجب على الباحثين:
- الحصول على موافقة مستنيرة للدراسات البشرية.
- اتبع الإرشادات الأخلاقية لأبحاث الحيوانات.
- الإفصاح عن تضارب المصالح في التمويل أو الانتماءات.
4. الكشف عن الأخطاء طوعًا
إذا اكتشف المؤلفون خطأً صادقًا بعد النشر، يجب عليهم:
- اتصل بـ محرر المجلة فوراً.
- اطلب تصحيحًا أو توضيحًا بدلاً من الانتظار لسحب قسري.
5. تجنب المجلات المفترسة
النشر في المجلات المفترسة يزيد من خطر السحب، حيث أن هذه المجلات غالبًا ما تفتقر إلى مراجعة الأقران المناسبة. يجب على الباحثين:
- تحقق مما إذا كانت المجلة مدرجة في قواعد بيانات موثوقة (PubMed، Scopus، Web of Science).
- تحقق من سياسات مراجعة الأقران ومجلس التحرير الخاصة به.
خاتمة
تلعب السحوبات دورًا حيويًا في تصحيح السجل العلمي والحفاظ على نزاهة البحث. في حين أن بعض السحوبات تنتج عن أخطاء صادقة، فإن البعض الآخر ينشأ من سوء السلوك، الانتحال، أو الانتهاكات الأخلاقية.
يمكن أن تكون عواقب السحب شديدة، تؤثر على المؤلفين، والمؤسسات، والجهات الممولة، والمجلات. ومع ذلك، توفر عمليات السحب أيضًا فرصة للتعلم—تعزز أهمية النشر الأخلاقي، والشفافية، والمراجعة الدقيقة من قبل النظراء.
من خلال الالتزام بـ ممارسات البحث المسؤولة، وضمان الدقة في تحليل البيانات، واتباع إرشادات أخلاقيات المجلات، يمكن للباحثين تقليل خطر السحب والمساهمة بشكل هادف في التقدم العلمي.